الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ} وكانوا حاجوه في توحيد اللّه ونفى الشركاء عنه منكرين لذلك {وَقَدْ هَدانِ} يعنى إلى التوحيد {وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ} وقد خوفوه أنّ معبوداتهم تصيبه بسوء {إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئًا} إلا وقت مشيئة ربى شيئًا يخاف، فحذف الوقت، يعنى لا أخاف معبوداتكم في وقت قط، لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة، إلا إذا شاء ربى أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه، مثل أن يرجمنى بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر، أو يجعلها قادرة على مضرتى {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} أي ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بى من جهتها {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز وَكَيْفَ أَخافُ لتخويفكم شيئا مأمون الخوف لا يتعلق به ضرر بوجه وَأنتم لا {تَخافُونَ} ما يتعلق به كل مخوف وهو إشراككم باللّه ما لم ينزل باشراكه {سُلْطانًا} أي حجة، لأن الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة، كأنه قال: وما لكم تنكرون علىّ الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف. ولم يقل: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم، احترازًا من تزكيته نفسه، فعدل عنه إلى قوله: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} يعنى فريقى المشركين والموحدين. ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم. وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس {وَتِلْكَ} إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} إلى قوله: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. ومعنى {آتَيْناها} أرشدناه إليها ووفقناه لها {نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ} يعنى في العلم والحكمة. وقرئ بالتنوين {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} الضمير لنوح أو لإبراهيم. {وداوُدَ} عطف على نوحا، أي وهدينا داود {وَمِنْ آبائِهِمْ} في موضع النصب عطفًا على كلا، بمعنى: وفضلنا بعض آبائهم {وَلَوْ أَشْرَكُوا} مع فضلهم وتقدّمهم وما رفع لهم من الدرجات. لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم، كما قال تعالى وتقدّس: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}. {آتَيْناهُمُ الْكِتابَ} يريد الجنس {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها} بالكتاب والحكمة والنبوّة. أو بالنبوّة {هؤُلاءِ} يعنى أهل مكة {قَوْمًا} هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم، بدليل قوله: {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} وبدليل وصل قوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ} بما قبله. وقيل: هم أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وكل من آمن به. وقيل: كل مؤمن من بنى آدم. وقيل: الملائكة وادّعى الأنصار أنها لهم. وعن مجاهد: هم الفرس. ومعنى توكيلهم بها: أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه. والباء في بِها صلة كافرين. وفي بِكافِرِينَ تأكيد النفي. {فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} فاختص هداهم بالاقتداء، ولا تقتد إلا بهم. وهذا معنى تقديم المفعول، والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان باللّه وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع، فإنها مختلفة وهي هدى، ما لم تنسخ. فإذا نسخت لم تبق هدى، بخلاف أصول الدين فإنها هدى أبدا. والهاء في {اقْتَدِهْ} للوقف تسقط في الدرج. واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء في المصحف.
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} يصدّقون بالعاقبة ويخافونها {يُؤْمِنُونَ} بهذا الكتاب. وذلك أنّ أصل الدين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن. وخصّ الصلاة لأنها عماد الدين. ومن حافظ عليها كانت لطفًا في المحافظة على أخواتها.
|